سكان العالم السفلي

سكان العالم السفلي

 


 كانت جدتي، والدة والدي، تتمتع بعادة خاصة تمارسها كل عام، حيث لا تشعر بالسعادة والراحة إلا عندما تقوم بها. في نهاية كل عام دراسي، كانت تذهب في رحلة لزيارة أخيها الذي كان يعيش في قرية بعيدة عن المدينة التي نسكن فيها.


قررت جدتي أن أرافقها في هذه الرحلة لزيارة جدي، وكانت هذه زيارتي الأولى لمنزله. شعرت بسعادة غامرة تغمرني، فقد كانت جدتي دائمًا تحكي لي عن أخيها الذي كانت تحبه كثيرًا، وعن منزله الفخم والأراضي الواسعة التي يزرعها بمختلف المحاصيل.


بفضل كثرة حكايات جدتي عنه، أحببت جدي قبل أن أراه، بل كنت متشوقة لرؤيته، وكنت أعد الأيام بشغف حتى يأتي اليوم الذي نغادر فيه منزلنا ونترك حياة المدينة خلفنا.


عندما وصلنا إلى منزل جدي، كان كل شيء أجمل مما وصفته جدتي. شعرت بصغر حجمي أمام قصر جدي الرائع، وأدركت أنني لن أستطيع استكشافه بالكامل مهما طالت إقامتنا فيه. لقد استقبلنا الجميع بحفاوة لا مثيل لها، وفي تلك اللحظة، شعرت بقيمة نفسي وبتقبل من أشخاص لم ألتق بهم من قبل.


اجتمع الجميع حولي، فقد كانت جدتي تحكي عني في زياراتها السابقة، مما جعلهم يتشوقون لرؤيتي والتعرف علي. جلسنا نتبادل الحديث أثناء تناولنا عشاءً فخمًا، وكان الأمر مدهشًا بالنسبة لي، حيث كنت في ذلك الوقت لم أتجاوز العشر سنوات، وأحظى بكل هذا الاهتمام من الجميع!


رغم رغبتهم في البقاء معنا حتى الصباح، إلا أن جدتي طلبت منهم المغادرة، مشيرة إلى أن حفيدها يحتاج إلى الراحة بعد السفر الطويل. وما إن صعدت مع جدتي إلى غرفة النوم في الطابق العلوي، حتى بدأت الأحداث الغريبة والمريبة تظهر.


**أهل تحت الأرض!**


بصراحة، عندما ألقيت جسدي على السرير، غفوت في نوم عميق لم يوقظني منه سوى اهتزاز السرير وكأن زلزالًا قد ضرب الأرض تحتنا. صرخت بشدة، مما جعل جدتي تستيقظ على الفور وتبدأ في قراءة آية الكرسي والمعوذتين. فجأة، هرع إلينا أفراد الأسرة، وكان جدي في المقدمة، حيث طمأن جدتي قائلاً: "لا تقلقي، هؤلاء هم أهل تحت الأرض!"


أهل تحت الأرض؟! من يسكن تحت الأرض؟! وهل هناك حياة تحت الأرض بالفعل؟! دارت في ذهني العديد من الأسئلة، فسألت جدتي، وقد ارتعدت فرائصي: "جدتي، من هم أهل تحت الأرض؟!"


رد جدي بدلاً من جدتي: "إنهم سكان المنازل من الجن، يا صغيري، لكنهم ليسوا مؤذيين على الإطلاق، كل ما في الأمر أنهم يرحبون بك!"


شعرت بالصدمة، وترجمت تلك المشاعر إلى نظرة إلى جدتي التي احتضنتني بقوة. طلبت منها أن نعود إلى منزلنا فورًا، لكن جدي وعدني بنزهة في مزارعه عند شروق الشمس إذا عدلت عن قراري، ووعدني بالكثير من الحلويات.


كان من المفترض أن نعود للنوم، لكنني، رغم صغر سني، لم أستطع ذلك. رأيت بعد قليل خيالًا طويلًا يرتدي ثيابًا سوداء، وكان طوله يفوق قدرتي على رؤيته بالكامل. بدأت أرتجف، بينما كانت جدتي نائمة بجانبي، ولم أستطع إخبارها بوجوده حتى طلوع الفجر.


ومع بزوغ الفجر، اختفى ذلك الخيال. أيقظت جدتي والدموع في عيني، وأخبرتها أن الغرفة مسكونة بالجن والشياطين، وأن علينا مغادرتها حتى نعود إلى منزلنا. وبالفعل، انتقلنا إلى غرفة نوم أخرى، وليتنا لم نفعل ذلك!


الغرفة الجديدة كانت أسوأ. في الليلة التالية، ما إن حل الظلام وذهبنا للنوم، حتى بدأ طرق على النافذة. سمعت جدتي تقول: "نحن مسالمون، اتركونا وشأننا، لن نؤذيكم!"


كانت كلماتها تترك أثرًا عميقًا في نفسي، واعتلاني الخوف والرعب. ومجددًا، ظهر لنا من النافذة نفس الخيال الأسود، لكنه كان هذه المرة قصيرًا للغاية، لدرجة أنني استطعت التركيز على ملامحه التي لم تكن موجودة أصلاً! لم يكن له وجه واضح، وكان أغرب شيء رأيته في حياتي. حاولت الصراخ طلبًا للمساعدة، لكن صوتي لم يخرج.


استمر ذلك الكائن في إزعاجنا طوال الليل، وكأنه يسيطر على أفكارنا وعقولنا وحركاتنا. ومع بزوغ الفجر للمرة الثانية، اختفى. قررت ألا أبقى في المنزل ثانية واحدة، ووافقتني جدتي على ذلك خوفًا من أن يصيبني مكروه. عدنا إلى منزلنا، ولم أنسَ تلك الليلتين رغم صغر سني.


ظللت أتحدث مع جدتي عن وجود الجن في منزل جدي. توقفت جدتي عن زيارة جدي في منزله، وأصبح جدي يأتي إلينا بخيرات مزارعه بين الحين والآخر، محاولًا إقناع جدتي بزيارته، لكنها كانت ترفض بشدة.

تعليقات